صورة المغرب بين "الإجماع الوطني" والموقف النقدي
حول الجدبة الإعلامية لوزير الإتصال
أحمد عصيد

لقد سبق لي أن طرحت سؤالا عبر الصحافة بعد حادثة أميناتو حيدر يقول: "لماذا ليست لنا مصداقية في العالم ؟"، و كنت أقصد به لفت الإنتباه إلى الأسباب التي جعلت امرأة عزلاء تهزم حكومة بكاملها و تمرغ وجه المغرب في التراب، و هي أسباب تعود لتطرح من جديد مع أحداث العيون الأخيرة.
أن يكون المغاربة صفا واحدا من أجل الدفاع عن أرضهم وحدود بلدهم الجيوسياسية أمر طبيعي، معقول ومنتظر، إذ هو السلوك الفطري المرتقب من كل أمة أو شعب عريق في ثقافة المقاومة والروح الوطنية التي تعني عند المغاربة - قبل ظهور وطنية 1930- الإرتباط بالأرض قبل كل شيء.
لكن الذي ليس معقولا ولا طبيعيا ولا يقبله المنطق السليم، هو أن يبلغ بنا "التوافق الوطني" و "روح الإجماع" حدا من العمى يصل إلى إنكار سلبياتنا ونقاط ضعفنا التي جعلت خصومنا السياسيين يستغلونها على الدوام، ويصلون في ذلك حدّ استمالة الرأي العام الدولي حتى في الأمور التي نعتبرها بشكل بديهي في صالحنا، ألم يسبق أن تمّ طردُنا من منظمة الوحدة الإفريقية التي غادرناها تاركين مكاننا للبوليزاريو الذي استطاع بفضل ديبلوماسية الجزائر النشيطة أن يكسب آنذاك 74 دولة في صفه ضدّ المغرب، في الوقت الذي كان فيه المغرب يُعيّن في مناصب السفارة أبناء عائلات عرب الأندلس الذين يعتبرون منصب السفارة عطلة دائمة لهم ولأبنائهم، ولا يهمّهم إلا التنعم بمناصب الرفاه وتبذير المال العام في أعياد السلطة التي يأتي إليها من يأكل "كعب غزال" و يشرب الشاي المنعنع ثم يصطف مع البوليزاريو، فبطونهم مع من يطعمهم أفضل، وقلوبهم مع الذي يقنعهم أكثر.
لقد ظهر بالملموس ضعف أداء السلطة في تدبير موضوع الصحراء بسبب سياسة الكولسة والمخزنة والإستفراد بالأمر دون المجتمع السياسي والمدني المغربي، وتركه بين يدي حفنة من الخدّام الأوفياء الذين لا يملكون الشجاعة على اقتراح ما ينبغي أن يكون، أو التصريح للسلطة بضرورة تغيير المسار أو النهج عند الضرورة.
لقد اتبعت السلطة في تدبير ملف الصحراء عبرالعقود الماضية نفس نهجها القديم في استقطاب الأعيان المحليين وعبرهم التحكم في رقاب الباقي في غيابهم، وهو النهج الذي من خلاله تمّ ويتمّ إفساد الإنتخابات المتتالية بالمال والنفوذ في كافة التراب الوطني، مما جعل 81 في المائة من المغاربة خارج اللعبة التي تعب منها الجميع، ألم يصوت 19 في المائة فقط من المغاربة لأزيد من ثلاثين حزبا ؟ ورغم ذلك فالذين يحكمون اليوم تعتبرهم السلطة ممثلين للشعب المغربي في غيابه، عوض أن تقوم بالخطوة الجريئة الضرورية التي ينتظرها الجميع، إيقاف اللعبة بكاملها وتغيير قواعد اللعب، وضمان الأسس الحقيقية لدولة المؤسسات، و الكف عن الإستخفاف بذكاء المغاربة.
لم تستطع السلطة أن تجعل من مغربية الصحراء فكرة شعبية بديهية في المجتمع الصحراوي، بدليل تزايد انضمام الشباب الصحراوي إلى خطاب الإنفصاليين، في الوقت الذي ظلت فيه حريصة على توبيخ من يجرؤ في الداخل على نقد أطروحتها وأسلوب تدبيرها لهذا الملف.
و لعلّ الأجدى بالنسبة لوزير الإتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة، عوض أن يعمد إلى ترسانة من عبارات الزجر والنهر والتوبيخ وكيل الإتهامات لأصحاب الرأي النقدي، أن ينتبه وهو العضو في حزب يساري عريق في المعارضة، إلى أن جوهر مشكلة الصحراء، وكذا مشكلة "صورتنا في الخارج"، ليست في كتابات الصحفيين وإنما تكمن في طبيعة النسق السياسي المغربي الذي يأبى أن يتغير. فقبل أن نحاول إقناع الإنفصاليين بمغربيتهم، كان علينا أن نعمل الكثير من أجل جعل الإنتماء إلى المغرب مصدر اعتزاز للصحراويين، ليس بإرشاء النخب والأعيان القبليين، بل بجعل الجنسية المغربية مرادفة للمواطنة الحق.
لقد عرضت قناة ألمانية ذات مرة في حفلات رأس السنة صورا ساخرة لإضحاك مشاهديها، وكان من الصور المعروضة صورة صف طويل من أعضاء الطبقة السياسية المغربية وهم ينحنون لتقبيل يد الملك، ولا شك أن الذين أدرجوا هذه الصورة ضمن المضحكات في رأس السنة قد طرحوا على أنفسهم سؤالا يقول : هل ما زال مثل هذا موجودا في عالمنا اليوم؟
إن بلاغة صورة من هذا النوع كافية لخلق صورة نمطية عن المغرب لنصف قرن من الزمان إذا لم يقم المغرب بتغيير ما بنفسه، و ليست الأقلام النقدية للصحفيين إلا إحدى الوسائل البسيطة لصنع هذا التغيير، وهو ما يتطلب من وزير الإتصال بعض الصبر وسعة الصدر.
No comments:
Post a Comment