Sunday, January 23, 2011

حقوق الإنسان والخطوط الحمراء !
منع مؤتمر منتدى حقوقي نموذجا

رغم أن الدستور المغربي يتضمن أحكاما عامة تصرح بأن المملكة المغربية تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيق المنظمات الدولية من مبادئ وحقوق وواجبات، وتتشبث بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، فرغم ذلك لا تزال وزارة الداخلية تتعامل مع حقوق الإنسان بمنطق لا يمت بصلة لما أشار إليه المشرع فيما يخص هذا الموضوع في أسمى قانون للدولة ! ويتجلى ذلك بشكل واضح في التدخل الوحشي لأجهزتها الأمنية عندما يتعلق الأمر بمنع أي نشاط يتطرق إلى مواضيع حقوقية لا تنتمي إلى المجال الذي يسمح به المتحكمون في مراكز القرار. ومن تم، يمكن الجزم بأن الخطوط الحمراء في مجال حقوق الإنسان لا تزال قائمة، خلافا لما ترفعه أبواق الحكومة من شعارات في وسائل الإعلام حول طي صفحة الماضي فيما يتعلق بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
 ومن بين الأمثلة العديدة التي لا حصر لها، والتي تفضح زيف الصورة التي سوقها المغرب حول دولة الحق والقانون خلال ما يسمى بالعهد الجديد، يمكن الوقوف عند منع منتدى حقوق الإنسان لشمال المغرب من عقد مؤتمره الأول الذي كان سينطلق يوم 10 دجنبر الماضي، بمناسبة تخليد اليوم العالمي لحقوق الإنسان تحت شعار "من أجل دستور ديمقراطي يقر بحق الجهات التاريخية في تقرير مصيرها الاقتصــادي والاجتماعي والثقافي والسياسي".
فما الذي دعا وزارة الداخلية إلى منع جمعية حقوقية متواضعة كمنتدى حقوق الإنسان بشمال المغرب من عقد مؤتمرها في مدينة صغيرة وهادئة مثل مدينة الشاون، بل واستنفار أجهزتها القمعية بمختلف أنواعها وأشكالها لكسر عظام كل من سولت له نفسه أن يتحدى قرار المنع ؟ لقد عبر أصحاب الحل والعقد، من خلال هذا المنع، عن عزمهم القوي لتقويض أي نشاط هادف يتطرق لمواضيع يعتبرونها من المحرمات، كدراسة مشاريع تتناول المطالب الخاصة بحقوق الإنسان انطلاقا من الحق في تقرير المصير الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي، والتي تتعارض بكل تأكيد مع مخططهم الجهنمي الذي يحاصر الشعب المغربي منذ فجر الاستقلال الممنوح، ويحمي العصابة الفاقدة للحس الوطني التي تستغل ثروات البلاد وتنتهك حرمات العباد غير مكترثة بالوضعية الاجتماعية المزرية لأغلب الأسر المغربية، ولا ب"الحكرة" التي يحس بها المواطنات والمواطنون. أما القول بأن شعار المؤتمر يدعو إلى الانفصال، ومن تم التشكيك في وطنية المؤتمرات والمؤتمرين لترهيبهم وثنيهم عن المشاركة في المؤتمر الممنوع، بل عن الاستمرار في النضال ضمن صفوف المنتدى، فهذا يدخل في ثقافة المخزن العتيق الذي فرضه السلاطين على القبائل المغربية خلال قرون من الزمن، والذي رسخ منطق الزبونية والمحسوبية، وشجع اقتصاد الريع، وجعل من الرشوة وسيلة للاغتناء السريع، وفوت على الوطن موعد ركوب قطار التنمية مرات عديدة، مما تسبب في تخلفه (الوطن) ليحتل في الوقت الراهن درجات متردية جدا في سلالم التنمية البشرية والتعليم والصحة...
ماذا يعني أن يطالب المؤتمر بدستور ديمقراطي ؟ قبل الجواب عن هذا السؤال، لابد من الإشارة في البداية إلى أن هذا المطلب يعتبر مطلبا حقوقيا بامتياز، نظرا للتنصيص عليه صراحة في المادة الأولى لكل من العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، اللذين صادق عليهما المغرب. فهذا المطلب الحقوقي يعني أنه يحق للشعب المغربي أن يتمتع بدستور يتم وضعه بإشراك النخبة الوطنية الملتزمة، ويقر بكل ما يحفظ كرامته ويصون هوياته المتعددة دون تمييز ويمكنه من الوسائل الضرورية لممارسة سيادته ممارسة فعلية على أرض الواقع. أما الدستور الحالي الذي تم "التوافق" عليه سنة 1996، فيكفي أن نذكر من فصوله الفصل 19 الذي يركز جميع السلط بين يدي الملك، والفصل 23 الذي يقدسه، والفصل 102 الذي ينص بالحرف " يمثل العمال الدولة في العمالات والأقاليم والجهات، ويسهرون على تنفيذ القوانين، وهم مسؤولون عن تطبيق قرارات الحكومة كما أنهم مسؤولون، لهذه الغاية، عن تدبير المصالح المحلية التابعة للإدارات المركزية "، لندرك أن واضع هذا الدستور كان يعتبر الشعب المغربي قاصرا كي يخضعه لوصاية العمال الذين يعتبرون أنفسهم عمال صاحب الجلالة، ليس إلا، تطبيقا للمقولة الشهيرة "الدولة هي أنا" التي قالها لويس الرابع عشر، ملك فرنسا، في زمن آخر، لا علاقة له بزمننا هذا الذي أصبح الشعب الفرنسي ينعم فيه بإمكانيات كبيرة لتقرير مصيره، والذي لا يزال فيه الشعب المغربي يسير بنفس العقلية التي سادت في ذلك الزمن الغابر.
وإذا كان لوزارة الداخلية ما يبرر موقفها من المؤتمر، فلا يمكن فهم الذين اجتهدوا أكثر منها وتمخزنوا أكثر من المخزن نفسه، فطلبوا رؤوس المسؤولين عن الدعوة إلى المؤتمر الممنوع، إلا كمؤشر ثابت على عجزهم عن إدراك حقيقة الأشياء بناء على معطيات موضوعية وبعيدا عن القراءة السطحية للأحداث. فليعلم هؤلاء، وكل من قزم فهم القضية إلى هذا المستوى من التفكير، بأن المناضلات والمناضلين في منتدى حقوق الإنسان لشمال المغرب حريصون كل الحرص على الوحدة الوطنية لبلدهم في إطار دولة الحق والقانون التي تضمن للمواطنات والمواطنين حقهم في تقرير مصيرهم من خلال وضع دستور ديمقراطي يتضمن القوانين السامية الضامنة لسيادة الشعب، والمحددة للإجراءات اللازمة لتحريره من الوصاية الأبدية لوزارة الداخلية، والمنظمة لفصل السلط التشريعية والتنفيذية والقضائية والدينية.
أما عن الحق في الذاكرة والتاريخ، فيكفي أن نشير إلى أن إعادة كتابة التاريخ الحديث لبلدنا تبين بما لا يدع أي مجال للشك أن أبطال الحزب "الوطني" السيئ الذكر، مع الاعتذار لكل المناضلات والمناضلين الشرفاء داخل الأحزاب "الوطنية" المفترى عليهم من طرف قياداتهم، قد جندوا المليشيات المدججة بالسلاح لتصفية عدد كبير من الوطنيين الحقيقيين خلال النصف الثاني من خمسينيات القرن الماضي، ووظفوا تقربهم من دوائر المخزن لاختلاق الدسائس الحقيرة ضد سكان المغرب غير النافع بصفة عامة، وساكنة الشمال/الريف الكبير بصفة خاصة، مستعينين في ذلك بالمستعمر الفرنسي الذي وفر لهم اللوجستيك اللازم لاغتيال المناضلات والمناضلين الأحرار الذين كانوا ينددون بالاستقلال الممنوح، ويفضحون المؤامرات التي كانت تحاك ضد الوطن، ويطالبون بالاستمرار في الكفاح المسلح إلى حين تحرير الوطن بكامله. وقد راح ضحية تلك المؤامرات القذرة آلاف المواطنين من الشعب المغربي وهٌجر شبابه، خصوصا شباب الريف، إلى دول أوروبا بهدف محو الذاكرة الجماعية. فإذا سمحت الظروف لخونة الوطن في تلك الحقبة من التاريخ أن يدبروا تلك الجرائم والدسائس ضد الشعب المغربي دون رادع ولا فاضح لمجازرهم الدنيئة، فإنه من الخطأ الفادح أن يعتقد ورثتهم اليوم بأن التاريخ يمكن أن يعيد نفسه في الظروف الحالية.
وخلاصة القول، إن المواطنات والمواطنين الغيورين على وطننا العزيز لا يمكنهم إلا أن يضعوا أياديهم على قلوبهم في الوقت الراهن، متمنيين أن يصحو ضمير من يهمهم الأمر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من خلال الشروع في الإصلاحات الحقيقية والجذرية التي تضمن للشعب حق التمتع بسيادته وثرواته، بعيدا عن الزبونية والمحسوبية والحسابات الشخصية الضيقة، التي أدت في نهاية المطاف إلى الاحتقان الاجتماعي الذي انتشر بشكل واسع في مجتمعنا. وذلك قبل أن تنتقل "عدوى" انتفاضة الشعب التونسي الشقيق الذي كان بالأمس القريب يضرب به المثل فيما يتعلق بجبنه أمام جبروت النظام المهزوم الذي حكمه لمدة عقود، والذي (الشعب) انتهى به الأمر إلى الاحتجاج في كل مكان مرددا قصيدة أبي القاسم الشابي الذائعة الصيت " إذا الشعب يوما أراد الحياة / فلا بد أن يستجيب القدر..." لمدة ثلاثة أسابيع متتالية متحديا جميع أنواع التنكيل والتعذيب والتقتيل التي كانت تمارسها الأجهزة القمعية.


إمضاء : الحسن محمدي علال



No comments:

Post a Comment