Tuesday, March 15, 2011

 الجامعة العربية (المشروع البريطاني اليهودي و العلماني العربي)

قبل الحديث عن الجامعة العربية لابد لنا من استحضار مشاهد سريعة من التاريخ الحديث، لاستظهار شواهد من واقع مرحلة البدء التي تمخضت عن ميلاد فكرة الجامعة العربية ، ذلك أنه في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي. وبداية القرن التاسع عشر ،بدا أن دولة الخلافة العثمانية قد أصبحت مرشحة للسقوط ، بسب ما اعتراها من خلل في البنيان ودخل في المنهج ، هذا في الوقت الذي كانت فيه دول العالم النصراني تتطلع إلى سقوطها وإلى موت (الرجل المريض) لاقتسام تركته ، وكان اليهود أيضا
 يتشوقون للحدث ويعملون في سبيل تحقيقه ، ويرمقون الأحوال بشغف ، عسى أن ينالهم نصيب من قمة الميراث .


الجامعة العربية فكرة من ؟

في أواخر حياته ، سمع ´´تيودور هرتزل" (مؤسس فكرة الدولة اليهودية ) بحركة تدعو إلى تجديد شباب الخلافة الإسلامية، وأطلقت هذه الحركة على نفسها (حركة الجامعة الإسلامية ) ، وكان من دعاتها الشيخ محمد رشيد رضا ، فاغتم لهذه الحركة ، وسرعان ما حركه حسه اليهودي الماكر من الاغتمام بالخبر إلى السعي إلى اغتنامه ، وخطر له أن يجري اتصالاته لإقحام النصارى في المناداة بتحرير العرب من ´´استعمار´´ الترك ،ولينادوا بالقومية العربية في مقابلة القومية التركية الطورانية التي رفع يهود تركيا عقيرتهم بها ، وكان أن اتصل ´´هرتزل ´´ بنجيب عازوري لمحاولة دمج حركته المسماة (اليقظة العربية ) مع حركة (الجامعة الإسلامية ) ، ثم حدث أن قامت الحرب العالمية الأولى سنة 1914م ، ليكون من أهم نتائجها: هزيمة الدولة العثمانية المسلمة و القضاء على دولة الخلافة ، وما هي إلا أعوام ثلاث حتى صدر"وعد بلفور"(وزير خارجية بريطانيا) بمنح اليهود وطنا قوميا في فلسطين ، ثم تقوم الحرب العالمية الثانية ، التي كان من أهم نتائجها تقسيم بلاد العرب بين انجلترا وفرنسا ، بمقتضى اتفاقية´´سايكس بيكو´´ (وزيري خارجية البلدين )، وهكذا انفرط العقد الذي كان يجمع بين البلدان العربية و الإسلامية برباط الإسلام، وأصر الأعداء على إيجاد رابطة بديلة لرابطة الانتماء للإسلام ، وراج الكلام وزاد الضجيج حول(رابطة العروبة ) بدلا من (رابطة الإسلام ) ، (والجامعة العربية (بدلا من (الجامعة الإسلامية ).
وفي 29مايو عام1941 م أدلى السياسي البريطاني المخضرم ´´إيدن ´´ بتصريح في مجلس العموم البريطاني عبر فيه عن استعداد بريطانيا لاحتضان الدعوة لإنشاء الجامعة العربية ، وقال : إن العرب يتطلعون لنيل تأييدنا في مساعيهم لتحقيق فكرة (جامعة عربية ) وقال : إنه سيكون لبريطانيا شرف السبق إلى تحقيق هذا المطلب ! وفي مصر، ندب حزب الوفد المصري (أعرق الأحزاب العلمانية ) نفسه لتنفيذ الفكرة ، فدعا زعيم الوفد مصطفى النحاس إلى إنشاء مؤتمر يبحث فكرة التنسيق بين الدول العربية ، لترسيخ المبدأ القومي ثم الوطني على أساس الانتماء للعروبة ، واقترح تشكيل لجنة تحضيرية لمؤتمر لهذا الشأن .
الجامعة العربة وتكريس الانقسام والهزيمة وجاء اليوم الذي أعلن فيه عن تأسيس الجامعة العربية بعد أن أجهض اليهود والنصارى والعلمانيون مشروع الجامعة الإسلامية ، وأعلن في 22مارس عام 1945،عن تأسيس الجامعة لتكون القاهرة مقرا لها ، في وقت كانت مصر فيه لا تزال تحت الاحتلال الإنجليزي الذي أعطى الضوء الأخضر لقيام الجامعة التي تستطيع التعامل من خلالها مع العرب بأنها ليست ضد أماني العرب في الوحدة، وأدركت أنها من خلال سيطرتها على مصر،وسيطرة مصر على الجامعة، ستستطيع تمرير ما تتطلبه المرحلة من مناورات ومؤامرات .
لقد ولدت الجامعة إذن لغرض واضح من البداية : سلخ المسلمين العرب عن المسلمين غير العرب لا لإعزاز العرب بغير الدين ، ولكن طمعا في إذلال الدين بذل العرب، لهذا: فقد كان مرسوما منذ البداية أن تكون الجامعة تجسيدا للذل العربي، فهل نجحت بريطانيا ومن بعدها أمريكا- في إنجاح الجامعة في هذه المهمة ؟!
لنتأمل معا.. ماذا أعلنت الجامعة من أهداف ؟وماذا تحقق منها في عالم الواقع ؟ ما الذي تحقق لمصلحة العرب؟ وما الذي تحقق لمصلحة أعداء العرب ؟

لقد نص ميثاق الجامعة منذ إنشائها على عدد من الأهداف الكبيرة منها:

استكمال تحرير البلاد و الشعوب العربية من الاحتلال الأجنبي،لاحظ التعبير:الشعوب العربية و العربية فقط..و ماذا إذن عن الشعوب الإسلامية ؟ لا ضير من احتلالها ما سلمت بلاد العرب، ومع هذا، هل سلمت بلاد العرب و تحررت شعوب العرب من الاحتلال الأجنبي؟
نسأل بعد خمسين عاما من إعلان الميثاق و نترك الجواب للشعوب التي لا يزال يسيطر عليها الأجنبي و يخضعها لمعسكره، بعد أن كانت خاضعة فقط لعسكره، نعم لقد انتهى عصر سيطرة المعسكر، ومع هذا أيضا:فلا يزال من بلاد العرب في ظل جامعة العرب، من لا يزال باقيا تحت سيطرة أذل العسكر (اليهود)، و اسألوا فلسطين التي وضعت الجامعة بصمتها على صك بيعها في المعاهدات السلمية، بعد ستة حروب،هزمت جيوش العرب في أولادها سنة 1948م و غابت في الثالثة عام 1956م، و سحقت و نكست في الثالثة عام 1967م، و سحبت منها الثمرة في الرابعة 1973م بينما تفرج عليها العالم و هبي ساكتة صامتة في الخامسة عام 1982م، حيث اجتاح اليهود جنوب لبنان في حرب من طرف واحد،و الأخيرة قبل أيام معدودة في جنوب لبنان أيضا عبر فيها العرب على منتهى الإذعان و الانصياع للأوامر الأمريكية، التي هي في الحقيقة أوامر اليهود النافذين في الإدارة الأمريكية، هذه الحرب التي أبانت بشكل سافر أن القومية العربية إنما كانت وسيلة لامتصاص شعور المسلمين بالانتماء إلى دينهم، و القضاء على محاولات بناء نظام الخلافة الإسلامية من جديد.

الجامعة العربية و إعلان الأهداف المخدرة للشعوب.

كان من أهداف الجامعة العربية المعلنة:

أ-تحقيق فكرة الدفاع العربي المشترك، و هذا يعني في أبسط معانيه: وجود جيش عربي قوي موحد، أو على الأقل: جيوش عربية قوية بينها تنسيق لرد أطماع الأعداء، فهل هذا حاصل الآن بعد خمسين عاما؟.

لقد تم في عام 1950م توقيع معاهدة : الدفاع العربي المشترك ، ولكن هذه المعاهدة تم إيقاف العمل بها منذ ست عشرة سنة . كما تم إلغاء مشروع الإنتاج الحربي بدعم من الدول العربية مجتمعة ، ولكن بعض لجان مجلس الدفاع المشترك لم تلغ، وإنما أبقيت كرمز، وسمح لها باستئناف نشاطات من قبيل : رعاية الدورات الرياضية ،وإصدار المعاجم العسكرية التاريخية والجغرافية ! ونحو ذلك .

ب - تحقيق الوحدة الاقتصادية العربية ، وإقامة سوق عربية مشتركة.

هل تحققت للعرب وحدة اقتصادية تحت مظلة الجامعة العربية ؟

لقد أعلن في عام 962ام ، عن مشروع (الوحدة العربية الاقتصادية ) ونص المشروع على أن لرعايا الدول الموقعة حرية انتقال الأشخاص ، ورؤوس الأموال ، وتبادل البضائع ،والإقامة والعمل ، و´´الترانزيت ´´..الخ ، وبعد عشر سنوات كاملة من إعلان الاتفاقية ،ألغيت بعد تقويمها ومراجعتها ثم الحكم بفشلها ، وأرجع سبب الفشل في حينه إلى أن الأهداف كانت طموحة جدا!..
أما السوق العربية المشتركة، فنسمع عنها فقط في إذاعة بلاد(الواق واق ) والصحف التي تتحدث عن الغول والعنقاء والخل الوفي!

ج - إحكام المقاطعة العربية ضد الكيان الصهيوني:

وهو هدف ، استمرت الجامعة في المحافظة على إعلانه ،وظلت المقاطعة قائمة في العلن ، حتى قوطعت من بعض أعضاء الجامعة العربية،و بدون إذنها،وصدرت القرارات برفع المقاطعة كليا أو جزئيا،وبرز مصطلح التطبيع بدلا منها ، ولا نكاد نسمع الآن بعد أكثر من خمسين عاما أن هناك من يتعاطف مع قطع العلاقات السياسية فضلا عن الاقتصادية ، بل صارالرائج والسائد المسارعة بدل المقاطعة ! فالكل يتلهف على فتح الأسواق أمام بضائع اليهود

الجامعة العربية والإصرار على الفشل.

وإذا كان هذا هو شأن الجامعة مع أهدافها الكبرى ، فماذا يا ترى سيكون حالها مع الأهداف الأدنى منها؟
إن نظرة واحدة على المشروعات والاتفاقيات والطروحات التي أعلنت عنها الجامعة دون أن تحقق منها شيئا ، لتصيب الإنسان بالدهشة ، وتدفعه للتساؤل : لماذا هذا الإصرار على الفشل ؟! ولماذا يقترن الفشل دائما ب(العروبة ) في مشروعات (بيت العروبة ) كما يحلو لهم أن يسموه ؟! اتفاقيات فاشلة ، مشروعات فاشلة ، أطروحات فاشلة .. ففي عام 1958 م أعلن عن مشروع لإنشاء مصرف للتنمية وفي عام 1960م أعلن عن تشكيل المجلس الاقتصاد العربي.
وفى عام 9521م أعلن عن توقيع اتفاقية للوحدة العربية وهذه الاتفاقيات كانت حبرا على ورق ، حيث لم ير لها أي أثر في الواقع ، و هناك اتفاقيات أخرى أو مشاريع لم تر النور أصلا، و لم تخرج من أدراجها، من ذلك: أنشاء مجلس عربي للبحوث الذرية في الأغراض السلمية،و الاتفاقية العربية للتبادل التجاري و تنظيم التجارة لعام 1953م، و اتفاقية تسديد مدخرات المعاملات التجارية و انتقال رؤوس الأموال لعام 1956م، و اتفاقية توحيد التعرفة الجمركية 1956م.
هكذا أعلنت نتيجة المصارعة لجولة استمرت خمسين سنة في حلبة (الصراع العربي الإسرائيلي)، حيث رفع المصارع اليهودي ذراع نفسه، فوق جثة المصارع العلماني العربي.
إن شيئا واحد نجحت فيه العلمانية العربية( القومية العربية) بعد خمسين عاما من العمل المؤسسي، و هو : الانتصار لكل المصالح، عدا مصلحة الأمة، و ما أصدق كلمة أحمد الشقيري في كتابه (الجامعة العربية) عندما وصف الجامعة بأنها:"منظمة إقليمية، أنشئت لخدمة السياسة الغربية"، وصدق فهي لم تنشأ أصلا إلا لخدمة المصالح الغربية و اليهودية.


نقلا عن مدونة :





No comments:

Post a Comment